في ليلة من ليالي صيف جدة الجميلة كان طريق عودتنا من حفل زفاف أحد الاقرباء ..يمر عبر..كورنيش جدة الشهير ،ولان هذه المدبنة لاتنام.. …”جدة غير”….فقد كانت حركة الناس لا تزال هنا وهناك .كبار ا صغارا ، يتسامرون ويلعبون رغم ان الوقت كان متأخرا جدا …لفت نظرنا في احدى الزوايا عربة صغيرة يبيع صاحبها “ترمس” والترمس نوع من البقول أصفر اللون يتم نقعه ثم غليه ،ويستخدم كنوع من أنواع التسالي في منطقة الحجاز وخاصة في رمضان … وطبخ الترمس وبيعه مهنة فردية بسيطة لاتحتاج الى مجهود كبير ودخلها معقول ولذلك فقد امتهنها بعض من المتعففين من الناس ….
ولاننا كنا مشتاقين للترمس الذي لم نذقه لمدة طويلة لكونه غيرمعروف كثيرا في المنطقة الشرقيه حيث نقبم..فقد تحمسنا لشراء بعضه..اوقف زوجي السيارة بجانب العربة وترجل منها وسلم على البائع وطلب منه بعض الترمس وبعد ان تسلمه ..اخرج محفظته ليدفع للبائع قيمة ما اشترى …وهنا كانت المفاجأة اذ لسبب ما كانت المحفظة فارغة إلا من بعض النقود المعدنية القليلة جدا .. وبالطبع لم اكن اناايضا احمل نقودا لان حقيبتي التي كانت معي “للسهرة” لانني كنت في حفل زفافو لم يكن بها نقودا…شعرنا بحرج كبيير …ا عتذر زوجي من البائع وأراد اعادة ما اخذ اليه _مع ان الله يعلم كم كنا نشتهيها_ وهنا كانت المفاجأ ة الثانية!!! اذ قال الرجل وهو يبتسم انه يتمنى ان يقبل زوجي”الترمس” كهدية منه قالها بلهجته اليمنيه وبطريقة هادئه متواضعة .. ظن زوجي لوهلة ان هذا التصرف ربما يكون ردة فعل غضب عليه لانه اضاع له وقته وأن هذا هدؤ ما قبل العاصفة.. ولكن سرعان مازال هذا التوجس عندما اكمل الرجل بقية كلامه … بالدعاء له بأن يأكل بالعافيه والهناء “ذلك الترمس” “الذي اأهداه له……رفض زوجي ولكن ازداد الرجل اصرارا بل ورفض ايضا ان ياخذ النقود المعدنية التي كانت معنا واعادها اليه…
لم أصدق ما رأيت وسمعت….ولكني كنت سعيدة جدا بوجود امثال هذا الانسان بيننا …وأحسست أن الدنيا مازالت بخير.
سبحان الله ان الكرم والبخل حالة نفسية ليس له علاقة لابغنى ولافقر ..وانما بقناعات شخصية تكونت بالتدريج من خلال التربيه..والخبرات الشخصية..وقبل ذلك بالإيمان الراسخ العميق بالله..
..كم كان كريما ذلك البائع البسيط .. وكم كانت نفسه قنوعة .. لا أدري بماذا كان يفكر .. ولم فعل ذلك ؟؟؟ هل صعب عليه ان يعود رجل الى أهله ويده خواء مما اشتهت انفسهم .. ترى هل تعرض ذلك الكريم لهذا الموقف يوما ما من قبل فأبت نفسه الطيبة لشخص آخر أن يمر بما مر به … فأراد ان يكون من المؤمنين الذين يحبون لغيرهم مايحبونه لانفسهم ، ويكرهون لهم مايكرهون لأنفسهم…. ولم يرد ان يكون من فئة المتلذذين بإهانة الناس وحرمانهم وجعلهم يقاسون “حتى لو كانوا يملكون خزائن الارض” .
لقد تأثرت كثيرا بهذا الموقف وهزني بشدة..ولذلك فكما دعونا له ساعتها …لازلنا ندعو له كلما تذكرناه …اللهم بارك له في كل مايحب وأرضه وأرضى عنه واطعمه واسقه من يد الحبيب في الفردوس الاعلى…سبحان الله على النفس عندما تطيب ..تصبح السجايا الطيبه تسيل منها سلسبيلا فتفيض على كل من حولها بكل طيب وجميل ..حتى ولم تكن تمتلك الا القليل.انها شبمة المؤمنين الكرماء الذين “يؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة”..
وهي عكس النفس التي اوتيت الشح حتى على نفسها فعاشت تعيسة واتعست من حولها .. ولا ازال اذكر بمرارة ذلك الرجل الذي يملك عقارات على امتداد شارع تجاري مشهور .. و كيف كان يعيش في بيت شعبي متهالك وبحالة يرثى لها…لقد شح حتى عن نفسه رغم امتلاكه الملايين التي ربما امضى حياته في تعَدادها وتكديسها.
وهناك والعياذ بالله من يلاحقه الشح حتى فيما لاينفق فيه درهما ولا دينارا .. فيبخل حتى بالسلام او البسمه …أوالكلمة الطيبة .. أو الرحمة ..حتى مع أقرب الناس اليه…أهل بيته …وهذه قصة اخرى ..
…تحكي احدى السيدات الميسورات ماديا انها كانت تغبط جيرانها الفقراء الذين تطل دارها على دارهم الصغيرة المتهالكة،،خاصة عندما يجتمعون وهم فرحون بما احضر لهم والدهم من طعام بسيط يتحلقون حوله في فناء الدار فيملئون المكان ضحكا وودا وحبورا،،بينما تظل هي في انتظار زوجها الذي قدلايعود الا في ساعة متأخرة من الليل .. بعد ان نام ابناؤه ،وربما يكون في حالة مزاجية عكرة..فيشح حتى عن الكلمة الطيبة.
لا أدري هل ترسخ في نفوس هؤلاء اعتقاد بأن العطاء قد يؤدي الى نقص ما لديهم من مال… اومهابة …اوغيره ..أم ماذا ؟؟؟؟؟؟
لانقول الا ..لاحول ولاقوة الا بالله …اللهم اعط منفقا خلفا…اللهم قنا شح انفسنا حتى لا نفتح على انفسنا بابا من ابواب التعاسة فنشقى …
.دمتم طيبين
فائقة الإدريسي
سبحان الله,,,ما أجملها وأغربها قصة يا أستاذة فائقة….
الإنسان لن يخسر شيئا مادام فعله في سبيل الخير والعطاء مهما كان الثمن…
أعمل اليوم لتحصد غدا اليوم هذا الرجل قدمها هدية لكم غدا سيلقى أجرا من الله ودعاء من قلوبكم الطاهرة المليئة بالخير…
يا حسرة على من لا يعترف بهذا المبدأ نسئل الله السلامة والعافية…
لا أطيل الحديث يا أستاذة فائقة وشكرا لك … أطال الله في عمرك ومثواك الجنة بإذن الله .
لقد تلقيت درسا عمليا من ذلك الانسان البسيط في كرم النفس وطيبها ظل ملازما لي وكان افضل من الف موعظة وكتاب…لقد اراد الله بي خيرا كثيرا اذ وضع ذلك الانسان في طريقنا…فلله الحمد والشكر
قصه من جد تخلي والواحد يفكر في حاله هل هو مثل هذا الشخص والا في نفسه شوائب ………
شوف وش سوا هذا الشخص وشوف وش جااااااااه ….
دعااااااااا في ظهر الغيييييييييييب ويمكن هذا الدعاء يفتح له باب رزق ويغتني منه
في النهايه لا اقول الا مثل ما قلتي اللهم اعط منفقا خلفا…اللهم قنا شح انفسنا حتى لا نفتح على انفسنا بابا من ابواب التعاسة فنشقى
السلام عليكم
الكرم لا يرتبط بمال .. فكرم الأخلاق يشمل جميع الشيم
قصة جميلة ومقال رائع .. وأشارككم بالدعاء للرجل بائع الترمس، وأسأل الله أن يزيده من فضله ويفتح له أبواب الخير والسعادة في الدنيا والآخرة
كم أحب أن أواجه مثل هذه العينة من الناس يوميا
وبورك فيكي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كم هو جميل أسلوبك وكم هوبسيط يدخل القلب وفعلا من يوقى شح نفسهيابخته وياهناه
يالله كم كانت حروفك بردا و سلاما على قلبي
تأثرت كثيرا بموقفه ووجدت عيناي تغرقان بالدمع
مدونة غنية حقا ..
حفظك الله
الغنى غنى النفس.
باقة فل على المقالة الرائعة.